فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- مكر اليهود تضعنا هذه الآية مع اليهود من حيث مكرهم والتواؤهم، فهم لا يقيمون على عهد ولا يرعون ذمة ولا يؤمن جانبهم أبدا. وقد اجترؤوا فحرفوا الكلام للّه عز وجل وهذا ليس لليهود في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم بل هذا ديدنهم وذلك وصفهم في كل زمان ومكان.
2- حادثة عجيبة:
زنى رجل وامرأة محصنان من اليهود فقال بعضهم لبعض: هيا بنا إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم لنسأله عن الحكم وليس عنده حكم. فإن حكم بالرجم رفضنا، وإن حكم بغير ذلك قبلنا فسألوا النبي صلى اللّه عليه وسلم عن ذلك فنزل جبريل بآية الرجم «وهي منسوخة تلاوة لا حكما» فرفضوا وكذبوا وقالوا الحكم في التوراة غير ذلك، فدله جبريل على رجل يهودي اسمه «ابن صوريا» هو أعلم يهودي في ذلك الوقت، فسألهم النبي صلى اللّه عليه وسلم عنه فعرفوه وقالوا هو أعلمنا فبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم وراءه فحضر، فناشده بالتوراة وبموسى وباللّه الذي لا إله إلا هو الذي نجاهم من فرعون وفلق لهم البحر أن يصدقه، فقال نعم، فسأله عن حكم الزاني المحصن في التوراة فقال له الرجم، ولكن اليهود كانوا إذا زنى الضعيف أقاموا عليه الحد وإذا زنى الشريف تساهلوا معه وكاد يقع خلاف حول ذلك، فحرفوا التوراة وجعلوا الحكم الجلد والتحميم، كانوا يجلدونه أربعين جلدة بسوط عليه قار فيسود جسمه فيحمل على دابة تطوف به بين الناس ثم يحمم فتنكرت اليهود لأقوال ابن صوريا واستغربت أن يفضحهم بهذا الشكل، فقال: اضطررت للصدق خشية نزول العذاب علينا. ثم أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم برجم الزانيين وطبق فيهما حكم اللّه وفي هذه الحادثة دلالة على صدق النبوة ومطابقة التوراة للقرآن الكريم ومكر اليهود وخبثهم.
2 [مبالغة اسم الفاعل] المبالغة في المعنى:
هناك صيغ مبالغة لاسم الفاعل في اللغة العربية تدل على المبالغة في المعنى وقد ورد في هذه الآية صيغة من هذه الصيغ بقوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} وقد دلّ هذا على كثرة سماعهم للكذب وكثرة أكلهم للحرام فهم منغمسون في المعاصي دون رادع أو خشية. ولعله من المفيد أن نذكر بصيغ مبالغة اسم الفاعل فهي: 1- فعّال: مثل سمّاع- كذّاب.
2- فعول: مثل أكول وشروب. 3- فعيل: مثل سميع وعليم وبصير.
4- فعل: مثل شره- نهم. 5- مفعال: مثل مطعان. وهذه الصيغ تدل على المبالغة والكثرة لمن قام بالفعل فأكول كثير الأكل ومطعان كثير الطعن.

.[سورة المائدة: آية 43]

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)}.

.الإعراب:

«الواو» استئنافيّة {كيف} اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال «يحكّمون» مضارع مرفوع.. و«الواو» فاعل و«الكاف» ضمير مفعول به «الواو» حاليّة «عند» ظرف مكان منصوب متعلّق بخبر مقدّم و«هم» ضمير مضاف إليه {التوراة} مبتدأ مؤخّر مرفوع «في» حرف جرّ و«ها» ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم {حكم} مبتدأ مؤخّر مرفوع {الله} لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور {ثمّ} حرف عطف {يتولّون} مثل يحكّمون {من بعد} جارّ ومجرور متعلّق بـ{يتولّون}، {ذلك} إشارة مبني.
في محلّ جرّ مضاف إليه.. و«اللام» للبعد، و«الكاف» للخطاب «الواو» حاليّة {ما} نافية {أولئك} اسم إشارة مبني في محلّ رفع اسم ما. و«الكاف» للخطاب «الباء» حرف جرّ زائد «المؤمنين» مجرور لفظا منصوب محلا خبر ما وعلامة الجرّ الياء.
جملة {يحكّمونك}: لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة {عندهم التوراة}: في محلّ نصب حال من فاعل يحكّمونك.
وجملة {فيها حكم...}: في محلّ نصب حال من التوراة.
وجملة {يتولّون}: لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة {ما أولئك بالمؤمنين}: في محلّ نصب حال من فاعل يتولّون.

.الصرف:

{يتولّون}، فيه إعلال بالحذف، أصله يتولّاون، التقت الألف الساكنة مع واو الجماعة فحذفت الألف ثم فتح ما قبل الواو دلالة على الألف المحذوفة.

.الفوائد:

قوله تعالى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ} كيف في هذه الآية اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. ولعله من المفيد أن نبين حكمها في الإعراب إكمالا للفائدة فهي:
1- اسم مبني على الفتح دائما وتكون في محل رفع خبر مقدم إذا وليها اسم كقولنا: كيف حالك. وتأتي في محل نصب خبر مقدم لكان أو إحدى أخواتها إذا وليها فعل ناقص مثل: كيف كان عملك؟
وتعرب في محل نصب حال إذا وليها فعل تام كما ورد في الآية.
وبعضهم يعربها في محل نصب نائب مفعول مطلق إذا وليها فعل تام كقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ} فيؤولون الكلام بمعنى ألم تر أيّ فعل فعل ربك بأصحاب الفيل وهو وجه ليس بعيدا من الصواب.

.[سورة المائدة: الآيات 44- 45]

{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (44) وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}.

.الإعراب:

«إنّ» حرف مشبّه بالفعل و«نا» ضمير في محلّ نصب اسم إنّ {أنزلنا} فعل ماض مبني على السكون و«نا» ضمير في محلّ رفع فاعل {التوراة} مفعول به منصوب «في» حرف جرّ و«ها» ضمير في محلّ جرّ متعلّق بخبر مقدّم {هدى} مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف «الواو» عاطفة {نور} معطوف على هدى مرفوع {يحكم} مضارع مرفوع {بها} مثل فيها متعلّق بـ {يحكم}، {النبيّون} فاعل مرفوع وعلامة الرفع الواو {الذين} اسم موصول مبني في محلّ رفع نعت لـ {النبيّون}، {أسلموا} فعل ماض مبني على الضمّ.. والواو فاعل «اللام» حرف جرّ «الذين» اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ{يحكم}، {هادوا} مثل أسلموا «الواو» عاطفة {الربّانيّون} معطوف على {النبيّون} مرفوع مثله وكذلك {الأحبار}، «الباء» حرف جرّ «ما» اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ {يحكم} على أسلوب البدل بإعادة الجار، {استحفظوا} فعل ماض مبني للمجهول.. والواو نائب فاعل {من كتاب} جارّ ومجرور متعلّق بحال من العائد المقدّر {الله} لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور «الواو» عاطفة {كانوا} فعل ماض ناقص مبني على الضمّ.. والواو ضمير اسم كان «على» حرف جرّ و«الهاء» ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ {شهداء} {شهداء} خبر كانوا منصوب «الفاء» رابطة لجواب شرط مقدّر «لا» ناهية جازمة {تخشوا} مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون.. والواو فاعل {الناس} مفعول به منصوب «الواو» عاطفة «اخشوا» فعل أمر مبني على حذف النون.. والواو فاعل و«النون» نون الوقاية..
وحذف ضمير المتكلّم- مفعول اخشوا- للتخفيف «الواو» عاطفة {لا تشتروا} مثل لا تخشوا «بآيات» جارّ ومجرور متعلّق بـ {تشتروا} بتضمينه معنى تستبدلوا و«الياء» ضمير مضاف إليه {ثمنا} مفعول به منصوب {قليلا} نعت منصوب. «الواو» استئنافيّة {من} اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ {لم} حرف للنفي فقط {يحكم} مضارع مجزوم فعل الشرط والفاعل ضمير مستتر تقديره هو «الباء» حرف جرّ «ما» اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّق بـ {يحكم}، {أنزل} فعل ماض {الله} لفظ الجلالة فاعل مرفوع «الفاء» رابطة لجواب الشرط «أولئك» اسم إشارة مبني في محلّ رفع مبتدأ.. و«الكاف» للخطاب «هم» ضمير فصل، {الكافرون} خبر المبتدأ أولئك مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة {إنّا أنزلنا...}: لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة {أنزلنا...}: في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة {فيها هدى...}: في محلّ نصب حال من التوراة.
وجملة {يحكم بها النبيّون}: في محلّ نصب حال من الضمير في {فيها}.
وجملة {أسلموا}: لا محلّ لها صلة الموصول {الذين} الأول.
وجملة {هادوا}: لا محلّ لها صلة الموصول {الذين} الثاني.
وجملة {استحفظوا}: لا محلّ لها صلة الموصول «ما».
وجملة {كانوا عليه شهداء}: لا محلّ لها معطوفة على جملة استحفظوا.
وجملة {لا تخشوا...}: في محل جزم جواب شرط مقدّر أي إن أحرجتم في موقف فلا تخشوا الناس.
وجملة {اخشون}: في محل جزم معطوفة على جملة لا تخشوا.
وجملة {لا تشتروا}: في محل جزم معطوفة على جملة لا تخشوا.
وجملة {من لم يحكم}: لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة {لم يحكم...}: في محلّ رفع خبر المبتدأ {من}.
وجملة {أنزل اللّه...}: لا محلّ لها صلة الموصول ما.
وجملة {أولئك... الكافرون}: في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
(45) الواو عاطفة {كتبنا} مثل أنزلنا {عليهم} مثل عليه متعلّق بـ {كتبنا}، {فيها} مثل الأول متعلّق بـ {كتبنا}، «أن» حرف مشبّه بالفعل {النفس} اسم أن منصوب {بالنفس} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر أنّ أي: أنّ النفس مأخوذة بالنفس.
والمصدر المؤوّل {أنّ النفس بالنفس} في محلّ نصب مفعول به عامله كتبنا.
«الواو» عاطفة في المواضع الخمسة {العين}، {الأنف}، {الأذن}، {السنّ}، {الجروح} أسماء معطوفة على النفس اسم أنّ منصوبة مثله {بالعين} جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر معطوف على خبر أنّ.. ومثله {بالأنف}، {بالأذن}، {بالسنّ}، {قصاص} خبر معطوف على الخبر المحذوف المتعلّق به بالنفس، مرفوع، «الفاء» استئنافيّة «من» اسم شرط جازم مبني في محلّ رفع مبتدأ {تصدّق} فعل ماض مبني في محلّ جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو «الباء» حرف جرّ و«الهاء» ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ {تصدّق} «الفاء» رابطة لجواب الشرط «هو» ضمير مبني في محلّ رفع مبتدأ {كفّارة} خبر مرفوع «اللام» حرف جرّ و«الهاء» ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف نعت لكفّارة، «الواو» عاطفة {من لم يحكم... الظالمون} مثل نظيرتها المتقدّمة.
وجملة {كتبنا...}: في محلّ رفع معطوفة على جملة أنزلنا.
وجملة {من تصدّق...}: لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة {تصدّق...}: في محلّ رفع خبر المبتدأ {من}.
وجملة {هو كفّارة...}: في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة {من لم يحكم...}: لا محلّ لها معطوفة على جملة من تصدّق، وجملة يحكم في محلّ رفع خبر {من}.
وجملة {أنزل اللّه}: لا محلّ لها صلة الموصول «ما».
وجملة {أولئك... الظالمون}: في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.

.الصرف:

{الأحبار}، جمع الحبر زنة فعل بفتح الفاء وكسرها وسكون العين، صفة مشتقّة من حبر يحبر باب نصر.
{العين}، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
{الأنف}، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
{السنّ}، اسم جامد للعضو المعروف، وزنه فعل بفتح فسكون.
{الجروح}، جمع جرح اسم جامد، وزنه فعل بضمّ فسكون.
{قصاص}، مصدر سماعيّ لفعل قاصّ الرباعيّ، وزنه فعال بكسر الفاء، أمّا المصدر القياسيّ للفعل فهو المقاصّة.
{كفّارة}، اسم جامد لما يدفع أو يعمل لتغطية الإثم، وزنه فعّالة بفتح الفاء وتشديد العين المفتوحة.

.البلاغة:

1- في هذه الآية فن مندرج في سلك الإطناب من علم المعاني وذلك في سياق قوله تعالى في صفة النبيين: {الَّذِينَ أَسْلَمُوا} فهي صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح دون التخصيص والتوضيح، لكن لا للقصد إلى مدحهم بذلك حقيقة فإن النبوة أعظم من الإسلام قطعا فيكون وصفهم به بعد وصفهم بها تنزيلا من الأعلى إلى الأدنى بل لتنويه شأن الصفة، فإن إبراز وصف في معرض مدح العظماء منبئ عن عظم قدر الوصف لا محالة كما في وصف الأنبياء بالصلاح ووصف الملائكة بالإيمان عليهم السلام ولذلك قيل: أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف.
2- الالتفات: في قوله تعالى: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} فهو خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الالتفات من التكلم إلى الخطاب.

.الفوائد:

1- تحكيم شريعة اللّه عز وجل أفادت هذه الآية بقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ} أفادت تحكيم شريعة اللّه عز وجل في قضايا الحياة وشؤونها وقد يعترض معترض فيقول: هناك أشياء كثيرة برزت في عصرنا لم تكن في عصر النبي صلى اللّه عليه وسلم فنقول: إن شريعة الإسلام ليست جامدة وإنما هناك الاجتهاد والإجماع والقياس وهي مصادر من التشريع تكسب الشريعة حيوية واطرادا وتقدما يواجه جميع مشاكل الحياة في كل زمان ومكان.
2- هل شرع من قبلنا شرع لنا..
تناولت هذه الآية جانبا من أحكام التوراة في القصاص، وقد اختلف العلماء حول اعتبار شرع من قبلنا شرعا لنا أم لا فقد نقل عن أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وعن أحمد في إحدى الروايتين أن شرع من قبلنا شرع لنا بطريق الوحي لا من جهة كتبهم المبدلة واختار ابن الحاجب من المتأخرين هذا المذهب لكنه لم يعتبر فيه قيد الوحي، وهو الحق، وإلا لم يبق للنزاع معنى إذ لا ينكر أحد التزام النبي صلى اللّه عليه وسلم بالوحي سواء من شرعه أم شرع من سواه وذهبت الأشاعرة والمعتزلة إلى المنع، وذلك اختيار الآمدي من المتأخرين ولكن الرأي الأول هو المعتمد وعليه جمهور العلماء. ويشترط أن لا يكون قد ورد في شرعنا ما يخالف هذا الشرع الذي نأخذ به.
3 القصاص والعفو:
قوله فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ: من تصدق بالقصاص متطوعا، سواء كان هو ولي الدم في حالة القتل- والصدقة تكون بأخذ الدية مكان القصاص، أو بالتنازل عن الدم والدية معا وهذا من حق الولي، إذ العقوبة والعفو متروكان له، ويبقى للإمام تعزير القاتل بما يراه- أو كان هو صاحب الحق في حالة الجروح كلها فتنازل عن القصاص، من تصدق فصدقته هذه كفارة لذنوبه يحطها بها اللّه عنه وكثيرا ما تستجيش هذه الدعوة إلى السماحة والعفو، وتعليق القلب بعفو اللّه ومغفرته نفوسا لا يغنيها العوض المالي، ولا يسلبها القصاص ذاته عمن فقدت أو عما فقدت، إن القصاص غاية ما يستطاع في الأرض لإقامة العدل وتأمين المجتمع، ولكن تبقى في النفس بقية لا يمسح عليها إلا تعليق القلوب بالعوض الذي يجي ء من عند اللّه.
روى الإمام أحمد، قال: حدثنا وكيع، حدثنا يونس بن أبي اسحق عن أبي السفر قال: كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية، فقال معاوية: سنرضيه، فألح الأنصاري، فقال معاوية: شأنك بصاحبك، وأبو الدرداء جالس، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يصاب بشي ء من جسده فيتصدق به إلا رفعه اللّه به درجة أو حط به عنه خطيئة».
فقال الأنصاري: فإني قد عفوت.
وهكذا رضيت نفس الرجل واستراحت بما لم ترض من مال معاوية الذي لوح له به للتعويض.